المدينة القدس

العائلة شعث

تاريخ الرسالة 28 يوليو 1937

تاريخ النشر 20 مايو 2023

message

القدس في 28 /7/1937


أخي علي أفندي
كان الاتفاق أن أبرق للجناب مهنئا بالقران السعيد ولكني وجدت كلمات الدعوة كثيرة لا تكفي للرد عليها برقية مهما كثرت كلماتها، ولأن الرسالة أفسح حدودا من البرقية سيما في مثل هذه المناسبات التي لا تقع إلا مرة واحدة في العمر.
قد فاتنا تناول شهي الطعام وسائغ الشراب في المطعم المعلن عنه في بطاقة الدعوة وقلنا (أي جميع الأخوان المدعوين) هذه أول خسارة تلحق بشبان فلسطين من وراء الزواج بالسوريات فلو كانت العروس فلسطينية لهرولنا لمكان العرس في غزة أو في صفد، وأرهفنا حدّ الأسنان وهيأنا المعدة لمثل ما تتهيأ له المعد وتشحذ الأسنان في ولائم الأفراح، ولو قدر لبعضنا أن يكون في بيروت يوم تمد الولائم فلن يجد فيها ما يشبع معدة قحطان، فلا داود باشا ولا الكوستلاته وأشباهما في المآكل الخفيفة بخفية عن سيدنا ومولانا الخروف المحشي وابن عمه الدست العامر بالأرز واللحم، فسامحك الله على هذه الغلطة التي لا تغتفر وعساك يوم ترزق بمولود صالح إنشاء الله تعوّض على أبناء قحطان ما فاتهم من ولائم العرس بوليمة الميلاد.
كنا نود لو كان العرس بفلسطين أن نزفك بالشموع والأناشيد من بيت (العمدة) إلى المكان الذي تنتظرك فيه العروس، وأن نوسع أجزاء جسمك لذعا بالإبر وأن نحيي ما اندثر من التقاليد القديمة من تكليف العروس بوضع عجينة من أوراق خضر على باب الدار، ولكنك نحوت نحوا أوروبيا في حفلة الزفاف ففاتنا تسلية كبيرة كنا نمني أنفسنا المكتئبة بجلاء صدأها عنها بها، ولو جئت أعدد مساوئ زفافك لما اكتفيت بمخصصاتي من الورق أسبوعا واحدا في الإدارة العامة، والورق يا سيدي في هذه الأيام غال، أضطر جرائدنا اليومية إلى الظهور بنصف حجمها المعتاد. 
لو ظلت لي شاعريتي التي هجرتني منذ خمسة عشر عاما لنظمت لك ألفية كألفية ابن مالك، أو لو أبقت لي الأيام الأسلوب الشعري من المنثور لطيرتها رسالة تخجل الورد بمنظرها وتزري بالمسك في أرحبها، ولكني والحمد لله ولا يحمد على مكروه سواه أصبحت مطلّقا من هذا الجمال الفني، إذا راسلت صديقا من الأصدقاء بمثل هذا الموضوع الذي أراسلك به الآن لا أجد إلا التافه من اللفظ والمبتذل في المعنى، ولو حاولت غير ذلك لبقيت عند السطر الأول لا أتحول عنه إلى غيره.
أفسدت ملكاتنا الأدبية عبارات الرسائل الرسمية وذهبت بأذواقنا كلمات " متعلق بكتابكم " و " بالإشارة إلى محادثتكم " وأشباهما من الكلمات التي أصبحت رزق الكثيرين من عباد الله الصالحين وغيرهم.
تهنا يا عليّ بربة الأدب والعفاف واصعد بها إلى أعلى قمة في جبل لبنان وانسى فلسطين وأحزانها في هذه الفترة السعيدة فهي كل ما استطعت وتستطيع اختلاسه من هذا الدهر الخائن ثم ابصق على الدنيا بصقة السكاكيني يوم علا بالطيارة في أجواء الفضاء ولا تفكر إلا بما أنت فيه من هناء وسعادة وأدخل على قلب قرينتك السرور بنكاتك المستملحة وروحك العذبة 
وتقبل تهاني أخيك المخلص 
أحمد خليفة


شارك